كان الاعتقاد السائد منذ عدة قرون : أن الجسم كله حساس للآلام، ولم يكنواضحاً لأحد يومذاك أن هناك أعصاباً متخصصة في جسم الإنسان لنقل أنواعالألم، حتى كشف علم التشريح اليوم دور النهايات العصبية المتخصصة في نقلأنواع الآلام المختلفة.
النصوص التي وردت في الموضوع :
قال الله تعالى عن عذاب الكافرين يوم القيامة :
{إنَّ الذٌينّ كّفّرٍوا بٌآيّاتٌنّا سّوًفّ نٍصًلٌيهٌمً نّارْا كٍلَّمّانّضٌجّتً جٍلٍودٍهٍمً بّدَّلًنّاهٍمً جٍلٍودْا غّيًرّهّا لٌيّذٍوقٍواالعّذّابّ إنَّ اللَّهّ كّانّ عّزٌيزْا حّكٌيمْا} (النساء: 56).
وقال تعالى :
{وسٍقٍوا مّاءْ حّمٌيمْا فّقّطَّعّ أّمًعّاءّهٍمً} ( محمد : 15 ).
تفسير الآية الأولى :
قال الطبري في تأويل قوله تعالى: {سوف نصليهم ناراً} سوف ننضجهم في ناريصلون فيها،أي يشوون فيها، {كلما نضجت جلودهم} كلما انشوت بها جلودهمفاحترقت {بدلناهم جلوداً غيرها} يعني غير الجلود التي قد نضجت فانشوت{ليذوقوا العذاب} فعلنا ذلك بهم ليجدوا ألم العذاب وكربه وشدته بما كانوافي الدنيا يكذبون آيات الله ويجحدونها (1).
وقال الزمخشري : ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع، كقولك للعزيز: «أعزك الله أي أدامك على عزك وزادك فيه»(2).
تفسير الآية الثانية :
قال القرطبي : {وسٍقٍوا مّاءْ حّمٌيمْا} أي حاراً شديد الغليان إذا دنامنهم شوى وجوههم ووقعت فروة رؤوسهم ، فإذا شربوه قطع أمعاء هم وأخرجها مندبورهم .
والأمعاء : جمع مِعًـى ، والتثنية : مِعَيَانْ ، وهو جميع ما في البطن من الحوايا(1) .
وقال الطبري : وسقي هؤلاء الذين هم خلود في النار ماء قد انتهى حره فقطعذلك الماء من شدة حره أمعاء هم(2)، كما ذكر مثله الشوكاني في فتح القدير،(3) وابن كثير في تفسيره (4) .
الجلــد وعذاب النار
الحقائق العلمية حول الجلد :
إذا ألقينا نظرة على خارطة الجلد نجد قدرة الخالق جل وعلا تتجلى في الشكلالبديع(1) (انظر الشگل رقم1) الذي يوضح كيف تتوزع أعصاب الإحساس في جلدالإنسان حيث نجد أن هناك مايقرب من خمسة عشر مركزاً لمختلف أنواع الإحساسالعصبي قد تم اكتشافها من قبل علماء الطب والتشريح ، وقد حمل بعضها أسماءمكتشفيها .
وقد قسم علماء الطب الإحساس إلى ثلاث مستويات: أ - إحساس سطحي .
ب - إحساس عـمـيـق .
جـ - إحساس مركـــب .
ويختص الإحساس السطحي باللمس والألم والحرارة؛ أما الإحساس العميق : فيختصبالعضلات والمفاصل . أي إحساس الوضع أو التقبل الذاتي (PROPRIOCEPTION ).وكذلك ألم العضلات العميق وتحســس الاهتزاز (PALLESTHESIA ).
والإحساس باللمس : أي معرفة الأشياء باللمـس ؛ ويعتمد على سـلامة قشرة المخ ، أو لحاء المخ .
وهناك مايعرف بتقسيم د. هد ( HEAD, S CLASSIFICATION ) حيث قسم الإحساس الجلدي إلى مجموعتين :
إحساس دقيق (EPICRITIC ) يختص بتمييز حاسة اللمس الخفيف والفرق البسيط في الحرارة .
وإحساس أولي (PROTOPATHIC ) ويختص بالألم ، ودرجة الحرارة الشديدة .
وكل إحساس منهما : يعمل بنوع مختلف من الوحدات العصبية ، وقد بنى استنتاجههذا على ملاحظاته لتجدد الأعصاب ؛ الذي يعقب الإصابة ، حيث وجد أن الإحساسالأولي (PROTOPATHIC ) يعود سريعاً أي خلال عشرة أسابيع ، بينما الإحساسالدقيق يبقى معطلاً لمدة سنة أو سنتين ، أو ربما لايعود نهائياً .
خلايا التغيرات البيئية :
توجد خلايا مخصصة لاكتشاف التغيرات الخاصة في البيئة (RECEPTORS)، وهي تنقسم إلى أربعة أنواع :
ü خلايا تتأثر بالبيئة الخارجية :(EXTEROCEPTORS)، وهي مخصصة لحاسة اللمس،وتشتمل على جسيمات (مايسنر) (MEISSNERS CORPUSCLES ) وجســــــــــيمات(ميرگل) (MERKELS CORPUSCLES ) .
( ERAUSE END BULBES )، وهي مخصصة للبرودة .
اسـطوانات روفيني :
,(RUFFINI, S CYLINDERS)وهي مخصـصة للحرارة .
نهايات الأعصاب الإرادية أو الحرة للإحساس بالألم .
الأشكال توضح نهايات العصب الحسي وهي متقبلات خارجية (مستقبلات)
وقد أثبت التشريح أن الألياف العصبية الخاصة بالألم والحرارة متقاربةجداً، كما بين الطريقَ الذي تسلكه الألياف العصبية الناقلة للألم والحرارةحيث تدخل النخاع الشوكي (SPINAL CORD ) وبعده إلى المخيخ (CEREBELLUM ) ثمإلى الدماغ المتوسط (MID BRAIN) ومنه إلى المهاد ( THALAMUS ) ثم إلىتلافيف الفص المهادي للمخ (GYRUS OF PARIETAL LOBE ) .
درجات الحروق وأنواعها :
لو استعرضنا درجات الحروق التي يصاب بها الإنسان لوجدنا أن هناك حروقاً من الدرجة الأولى ، وحروقاً من الدرجة الثانية .
وجميعها تنقـسم إلى حروق سـطحية، وحروق عـميقـة، ثم حروقا من الدرجة الثالثة .
ولو ألقينا نظرة إلى مايصيب الجلد نتيجة لهذه
الأنواع الثلاثة من الحروق لوجدنا أن حروق الدرجة
الأولى تصـيب طبقة البشرة القرنية ، وتظهر على هيئة التهاب جلدي .
ويسمى أيضاً الحرق الحمامي ، وفي هذه الحالة يحدث انتفاخ وألم بسيط لأنالحرق من الدرجة الأولى يصيب خلايا الطبقة السطحية ، ومن المعتاد أن ظاهرةالاحمرار والانتفاخ والألم تختفي خلال يومين أو ثلاثة أيام .
ولو انتقلنا إلى حروق الدرجة الثالثة لوجدنا أن طبقة الجلد تصاب بكاملها ،وربما تصل الإصابة إلى العضلات أو العظام ، ويفقد الجلد مرونته ويصبحقاسياً وجافاً .
وفي هذه الحالة فإن المصاب لايحس بالألم كثيراً؛ لأن نهايات الأعصاب تكون قد تلفت بسبب الاحتراق .
ونعود الآن إلى حروق الدرجة الثانية ، وهي تنقسم إلى قسمين :
يحدث في حالة الحروق السطحية من الدرجة الثانية أن طبقة البشرة (ظاهرالجلد) تنضج ، وكذلك الأدمة -طبقة باطن الجلد- التي تحت البشرة .
ويحدث في هذه الحالة انفصال طبقة البشرة عن طبقة الأدمة ، وتتجمع موادمفرزة أو نتحات (1)مابين هاتين الطبقتين ، وتتكون كذلك النفط (2) تحتالبشرة وهي مليئة بسوائل تشبه سوائل البلازما أو مصل الدم ويعاني المصابفي هذه الحالة من آلام شديدة وزيادة مفرطة في الإحساس بالألم؛ نتيجةلإثارة النهايات العصبية المكشوفة . ويبدأ التئام الجلد خلال أيام قد تصلإلى أربعة عشر يوماً نتيجة لعملية التجدد والانقلاب التي تحدث في الجلد .
الأحشاء وعذاب يوم القيامة :
وكما يتعرض الكفار لعذاب النار من الخارج عن
طريق الجلد ، فإنهم يتعرضون لعذاب داخلي من نوع آخر ، عن طريق سقيهم بماءحميم؛ إذا دنا منهم شوى وجوههم ووقعت فروة رءوسهم، فإذا شربوه قطع أمعاءهموأخرجها من دبورهم. قال تعالى : {وسقوا ماء ً حميما فقطَّع أمعاء هم} (محمد :15).
لقد كشف علم التشريح أن الأمعاء الدقيقة هي أطول جزء في الجهاز الهضمي - يصل طولها إلى خمسة أمتار- ويتكون جدارها من ثلاث طبقات :
وهي الطبقة المصلية : وهي عبارة عن غشاء رقيق رطب بما يفرزه من سائل مصلي .
وهي الطبقة العضلية ؛ التي تتكون بدورها من طبقتين:
أ ـــ طبقة خارجية : تتكون من عضلات طولية .
ب ـــ طبقة داخلية : تتكون من عضلات دائرية .
وتتكون من صفيحة عضلية مخاطية ، ونسيج تحت الغشاء المخاطي ، وثنايا دائريةأو حلقية محملة بالزغب ؛ وتحتوي على غدد معوية وحويصلات لمفاوية.
ونجد أن هذا الإبداع الإلهي في التكوين والتركيب جعل الأمعاء من الداخل فيحماية من المؤثرات الداخلة إليها ؛ التي يمكن أن تحدث آلاماً ، منها آلامالإحساس بالحرارة .
فتجويف البطن مبطن بالبريتون ( الصفاق ) الذي يبلغ حجمه (20400 سم مكعب)ويساوي نفس حجم الجلد الخارجي للجسم، وهو مايسمى بالصفاق الجداري. وأماالذي يغطي الأحشاء ، فإنه يسمى الصفاق الحشوي .
هذا الشكل يوضح طبقات الأمعاء الدقيقة وتركيب الزغابات المعوية
أما الجزء الموجود بين الصفاق الجداري والطبقة المصلية للأحشاء فيسمى المساريقا ، وبه عدد كبير من جسيمات ( باسينى ) .
والمساريقا تشبه الصفيحة المكونة من ورقتين مزدوجتين تمر بينهما الأعصاب والأوعية اللمفاوية والدموية.
فمتـلقـيات الألـم ( RECEPTORS ) والوحــدات الحـسـية الأخــرى الموجودةفي الأحشاء تشبه تلك الموجودة في الجلد ، لكن هناك اختلافات بينة فيتوزيعها .
فالأحشاء لايوجد بها أعصاب التقبل الذاتي
PROPPIOCEPTORS))، ولكن يوجد فيها عدد قليل من الأعضاء الحسية للحرارةواللمس . لذا فإنه عندما يخدر جدار البطن بمخدر موضعي ، ويفتح البطن ونمسكالأمعاء أو نقطعها أو حتى نحرقها لاينتج عن ذلك أي انزعاج أو إحساس بألم .
ولكن عندما تتقطع الأمعاء بسبب شرب الماء الحميم (ماء حار شديد الغليان)(1) الذي ينفذ منها إلى التجويف المحيط بالأحشاء والغني بالأعصاب الحاسةفإن العذاب بحرارة الحميم يبلغ أشده .
أوجـــــــــه الإعجاز :
(أ) - بين الله سبحانه وتعالى أن الجلد هو محل العذاب فربط جل وعلا بين الجلد والإحساس بالألم في قوله تعالى :
{كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب} فتبين بذلك أن الجلد وسيلة إحساس الكافرين بعذاب النار .
وأنه حينما ينضج الجلد ويحترق ويفقد تركيبه ووظيفته ويتلاشى الإحساس بألمالعذاب يستبدل بجلد جديد مكتمل التركيب تام الوظيفة ، تقوم فيه النهايات
العصبية ــ المتخصصة بالإحساس بالحرارة و بآلام الحريق ــ بأداء دورهاومهمتها ؛ لتجعل هذا الإنسان الكافر بآىات الله تعالى يذوق عذاب الاحتراقبالنار .
ولقد كشف العلم الحديث أن النهايات العصبية المتخصصة للإحساس بالحرارةوآلام الحريق لاتوجد بكثافة إلا في الجلد ، وما كان بوسع أحد من البشر قبلاختراع المجهر وتقدم علم التشريح الدقيق أن يعرف هذه الحقيقة التي أشارإليها القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً ... وهكذا تتجلى المعجزة وتظهرآيات الله تعالى .
(ب) - هدد القرآن الكريم الكفار بالعذاب بماء حميم يقطع أمعاء هم ، واتضحالسر في هذا التهديد أخيراً باكتشاف أن الأمعاء لاتتأثر بالحرارة ، ولكنهاإذا قطعت خرج منها الماء الحميم إلى البريتون الجداري ؛ الذي يغذى بأعصابالجدار التي تغذي الجلد ، وعضلات الصدر والبطن، وتتأثر هذه الأعصاب باللمسأو الحرارة فيسبب الحميم بعد تقطيع الأمعاء أعلى درجات الألم .
أما العذاب عن طريق الجلد فيختلف عن ذلك لاختلاف طبيعة تركـيب الجلد ، فلايكون استمرار الإحساس بالعذاب في الجلد إذا نضج إلا بتجديد جلد جديد .
فاختلاف الوصف لكيفية تحقيق العذاب بالنار من الخارج : عن طريق تبديلالجلد كلما نضج، ومن الداخل : بتقطيع الأمعاء بالحميم ، والذي أثبته العلمالحديث يتوافق مع ما ورد في القرآن الكريم في هذين المجالين .
ذلك أن القرآن الكريم كلام الخالق العليم الذي يعلم دقائق تركيب الإنسان وأسراره.
وهكذا يتجلى الإعجاز العلمي في الإحساس بالألم بالتوافق بين حقائق الطب ومعجزات القرآن الكريم.
المراجـــع العربية
المراجــع الأجنبية
NEUROANATOMY & FUNCTIONAL NEUROLOCY
JOSEPH G . CHUSIN
ATLAS OF HUMAN ANATOMT
P . D . SYNELNYKOF
TREATMENT OE BURNS
YANG CHI - CHUN
HSU WEI - SHIA
SHIH TRI - SING
REVIEW OF MEDICAL PHYSIOLOGY
W . F FORRESTER
A COMPANION TO MEDICAL STUDES ANATOMY. BIOCHEMISTRY & PHYSIOLOGY
EDITOR - IN - CHIEF J . M . FORRESTER.وسنرى فيما يعرضه هذا البحث من الحقائق العلمية مايناقض ذلك الاعتقاد الذيكان سائداً وقت التنزيل وإلى زمن قريب جداً. وبمقارنة تلك الحقائق العلميةمع ماورد في القرآن الكريم من الإشارات العلمية حول الجلد وكونه مختصاًبنقل الإحساسات المتنوعة؛ يتأكد لنا أن هذا القرآن الكريم هو كلام اللهخالق الكون ومبدع الإنسان وأنه هو الذي أوحى بتلك الحقائق إلى نبيه محمدعليه الصلاة والسلام.والآلية الحسية لكلا الإحساسين : السطحي والعميق، تشمل التعرف وتسـميةالأشـياء المعروفة والموضوعة في اليد، أي حاسـة معرفة الأشـياء باللمـس)STEREOGNOSIS ). وكذلك حاسة الإدراك الموضعي ( TOPOGNOSIS )، أي المقدرةعلى تحديد مواضع الإحساس أو التنبيه الجلدي .خلايا الشعر ، ونهاية بصيلات كروز :ونخلص من هذا إلى أن الجلد هو من أهم أجزاء جسم الإنسان إحساساً بالألم ،نظراً لأنه الجزء الأغنى بنهايات الأعصاب الناقلة للألم والحرارة . انظرشگل (3، 4).1- سطحي .2- عمـــيق .1 ـــ الطبقة الخارجية :2 ـــ الطبقة الوسطى :3 ـــ الطبقة الداخلية وتسمى بالطبقة المخاطية :1 ـــ تفسير الطبري ، ط. دار الفكر ، بيروت .2 ـــ تفسير الكشاف ، ط. دار المعرفة بيروت.3 ـــ تفسير القرطبي ، ط. دار إحياء التراث ، بيروت .4 ـــ تفسير الشوكاني ، ط. دار المعرفة، بيروت .5 ـــ تفسير ابن كثير ، ط. دار الكتب العلمية ، بيروت.